🌳 كنز مهدد بالضياع: التنوع البيولوجي في غابات الأركان يستغيث
🌍 مقدمة: أركان... أكثر من مجرد شجرة
غابات الأركان، المنتشرة في جنوب غرب المغرب، وبالخصوص في منطقة سوس، ليست مجرد غطاء نباتي يُزيّن المشهد الطبيعي، بل هي نظام بيئي متكامل يحوي في طيّاته تنوعًا بيولوجيًا فريدًا، وثقافة عريقة، واقتصادًا محليًا نابضًا.
لكن اليوم، هذا الكنز الطبيعي مهدد بالضياع نتيجة التغيرات المناخية، والنشاط البشري غير المنظم، والرغبة المتزايدة في الربح السريع.
فهل يمكن إنقاذ هذا النظام الحي قبل فوات الأوان؟ وهل نستطيع إعادة التوازن إلى غابات الأركان، "الرئة البيئية" لسوس الكبرى؟
🌳 أولًا: غابة الأركان – إرث طبيعي عالمي
شجرة الأركان (Argania Spinosa) تُعد من أقدم أنواع الأشجار في شمال إفريقيا، ويعود وجودها إلى ملايين السنين.
تنفرد هذه الشجرة بقدرتها على:
-
العيش في المناخات الجافة وشبه الصحراوية
-
مقاومة التصحر
-
امتصاص المياه من الأعماق
-
دعم الحياة النباتية والحيوانية حولها
ولهذا السبب، صُنّفت محمية المحيط الحيوي لغابات الأركان من طرف اليونسكو سنة 1998، كما اعترفت الأمم المتحدة باليوم العالمي لشجرة الأركان في 10 ماي من كل سنة.
🌿 ثانيًا: التنوع البيولوجي في غابات الأركان
رغم المناخ الصعب الذي تنمو فيه، تحتضن غابات الأركان تنوعًا بيولوجيًا مذهلًا، يجعل منها نظامًا بيئيًا غنيًا بالحياة:
✅ نباتات طبية وعطرية
-
أكثر من 200 نوع نباتي مختلف، منها: الزعتر البري، الشيح، المرمية، الخزامى.
✅ حيوانات برية
-
الثعالب، الأرانب، الزواحف، القنافذ، وأنواع من الطيور الجبلية والمهاجرة.
✅ حشرات مفيدة
-
خصوصًا النحل الذي يساهم في التلقيح وإنتاج عسل الأركان.
✅ توازن بيئي
-
شجرة الأركان تُثبّت التربة وتمنع الانجراف.
-
تشكّل موئلًا طبيعيًا للأنواع البرية.
لكن هذا التنوع الثمين بدأ يتقلّص أمام أعيننا.
⚠️ ثالثًا: مؤشرات الأزمة
❌ 1. الانخفاض في المساحة المغطاة
-
حسب تقارير بيئية، فقدت غابة الأركان أكثر من 30% من مساحتها الأصلية في العقود الأخيرة.
❌ 2. انقراض بعض الأنواع
-
اختفاء تدريجي لبعض النباتات النادرة بسبب الرعي الجائر وجمع الأعشاب المفرط.
❌ 3. ظهور الأنواع الغازية
-
زراعة أنواع مستوردة (مثل الأفوكادو) تستنزف المياه وتخل بتوازن التربة.
🔍 رابعًا: الأسباب الرئيسية وراء التدهور
🏗️ التوسع العمراني والزراعي
-
البناء العشوائي، وتحويل الغابات إلى أراضٍ زراعية، خاصة لزراعة الأشجار التجارية.
🐐 الرعي الجائر
-
الماعز، خصوصًا "ماعز الأركان"، يتسلق الأشجار ويأكل الأغصان الصغيرة، ما يمنع نموها.
🔥 الحرائق
-
الحرائق العرضية أو المتعمّدة تتسبب في تدمير مئات الهكتارات كل سنة.
💦 التغيرات المناخية
-
الجفاف المتكرر وارتفاع درجات الحرارة تُضعف تجدد الأشجار وتؤثر على الإنتاج.
🛢️ الاستغلال التجاري المكثف
-
الطلب العالمي الكبير على زيت الأركان شجّع على القطع المفرط للأشجار وعدم احترام الدورات الطبيعية للإنتاج.
🧠 خامسًا: لماذا التنوع البيولوجي في غابة الأركان مهم؟
✅ 1. أمن غذائي وطبيعي
-
النباتات الطبية تساعد على العلاج التقليدي وتدعم اقتصاد القرى.
✅ 2. استقرار المناخ المحلي
-
الأشجار تحتفظ بالرطوبة، وتحافظ على درجة حرارة معتدلة نسبيًا.
✅ 3. مصدر دخل للساكنة
-
التعاونيات النسائية في سوس تعتمد على منتجات الأركان في الصناعة التقليدية والتجميل.
✅ 4. حماية من الكوارث الطبيعية
-
الغابة تمنع الانجراف والتصحر وتُبطئ سرعة الرياح.
🛡️ سادسًا: ما الذي يمكن فعله لإنقاذ الكنز المهدد؟
🔄 1. برامج إعادة التشجير
-
دعم مبادرات زراعة شتلات الأركان في المناطق المتدهورة.
🎓 2. التثقيف البيئي
-
إدراج التربية البيئية في المدارس، ونشر ثقافة احترام الطبيعة بين الأجيال الجديدة.
👩🌾 3. دعم التعاونيات المستدامة
-
تشجيع التعاونيات على استخدام أساليب صديقة للبيئة، وتحفيز العمل الجماعي للحفاظ على التربة والغابة.
🧑🔬 4. تشجيع البحث العلمي
-
دعم الجامعات ومراكز الأبحاث لدراسة تأثير التغيرات المناخية على الغابة.
🧾 5. وضع تشريعات صارمة
-
منع تحويل الأراضي الغابوية، ومعاقبة المخالفين الذين يقطعون الأشجار بغير ترخيص.
🌱 سابعًا: مبادرات ناجحة يجب تعزيزها
-
الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الأركان: أطلقت عدة مشاريع للغرس وتثمين المنتوج.
-
التعاونيات النسائية: مثل "تيفاوت" و"تاسيري" التي توظف مئات النساء وتُعيل أسرًا بكاملها.
-
شراكات مع اليونسكو ومنظمات دولية لتمويل مشاريع حماية الغابات.
📣 ثامنًا: صوت من الغابة
في كل زيارة إلى دواوير سوس، ستسمع نفس العبارة من شيوخ القرى:
"زمان كان كلشي أخضر... دابا حتى الماعز ما لقات آش تاكل"
هذه ليست مجرد ملاحظة بل صرخة استغاثة من التنوع البيولوجي الذي كان مزدهرًا، واليوم يتراجع بصمت.
✨ خاتمة: لنحمِ الأركان... لنحمِ الحياة
غابة الأركان ليست ملكًا لجيل واحد، بل هي إرث بيئي وإنساني عالمي.
إن الحفاظ على تنوعها البيولوجي يعني الحفاظ على التربة، الماء، الهواء، الثقافة، وحتى الأمن الغذائي والاجتماعي.
قبل أن تتحوّل هذه الغابة إلى مجرد ذاكرة، علينا جميعًا – أفرادًا ومؤسسات – التحرك الآن، لأن الطبيعة إذا صمتت، فذلك لأنها لم تعد تجد من يُنصت.
✍️ مقال بيئي تحسيسي