الأخدود الإفريقي العظيم والبراكين الإثيوبية: تاريخ جيولوجي يصنع مستقبل القارة
تُعدّ منطقة الأخدود الإفريقي أحد أهم الظواهر الجيولوجية على سطح الأرض، فهي ليست مجرد صدع أرضي طويل يمتد عبر القارة، بل مشروع تفككٍ بطيء سيغيّر شكل إفريقيا خلال ملايين السنين. وفي قلب هذا التحول تقف إثيوبيا، البلد الذي يحتضن أعنف نشاط بركاني في القارة، وأحد أكثر المختبرات الطبيعية نشاطًا لدراسة التصدعات الأرضية.
في هذا المقال، نستكشف تاريخ الأخدود الإفريقي، ونفهم لماذا تمثل إثيوبيا مركزًا للبراكين النشطة، وما الذي يحدث تحت سطحها من تغيرات جذرية.
1. ما هو الأخدود الإفريقي العظيم؟
الأخدود الإفريقي العظيم (Great Rift Valley) هو سلسلة من الصدوع التي تمتد لأكثر من 6000 كيلومتر من:
-
البحر الأحمر
-
مرورًا بإثيوبيا وكينيا وتنزانيا
-
وصولًا إلى موزمبيق جنوبًا
يُعد هذا الأخدود بداية عملية تفكك قارة إفريقيا نتيجة ابتعاد الصفائح التكتونية عن بعضها ببطء شديد لا يتجاوز عدة مليمترات سنويًا.
الأخدود ليس شقًا واحدًا، بل منظومتان رئيسيتان:
-
الفرع الشرقي: يمر عبر إثيوبيا وكينيا.
-
الفرع الغربي: يمتد عبر البحيرات الكبرى مثل تنجانيقا وملوي.
2. إثيوبيا: نقطة البداية في تفكك القارة
تُعتبر المرتفعات الإثيوبية قلب الأخدود الإفريقي، إذ شهدت المنطقة قبل 30 مليون سنة ثورانات بركانية هائلة غطت مساحة شاسعة من البلاد بالبازلت الأسود. هذا الحدث الجيولوجي الكبير يُعرف باسم:
الفيضان البازلتي الإثيوبي (Ethiopian Flood Basalts)
وهو انفجار ضخم للصهارة اندفع عبر القارة، ويُعد من أكبر الأحداث البركانية في تاريخ الأرض.
هذا الفيضان كان الشرارة الأولى لبدء تصدع القشرة الأرضية التي أدت لاحقًا لتشكّل الأخدود.
3. لماذا يوجد الكثير من البراكين في إثيوبيا؟
هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل إثيوبيا من أكثر المناطق نشاطًا بركانيًا:
أولًا: نقطة ساخنة (Hotspot) تحت القارة
تقع إثيوبيا فوق "نقطة ساخنة"، وهي منطقة ترتفع فيها الصهارة من أعماق الأرض إلى السطح.
هذه النقطة الساخنة تُسمى Afar hotspot، وهي مسؤولة عن:
-
ذوبان القشرة
-
ظهور البراكين
-
تشقق الأرض باستمرار
ثانيًا: التقاء ثلاث صفائح تكتونية
تعتبر منطقة أفار (Afar Triangle) فريدة من نوعها عالميًا، إذ تلتقي فيها ثلاث صفائح:
-
الصفيحة العربية
-
الصفيحة الإفريقية النوبية
-
الصفيحة الصومالية
هذا الالتقاء يُسمى Triple Junction، وهو من أندر الأماكن على سطح الأرض.
ثالثًا: حركة الصفائح
تبتعد الصفيحة العربية عن إفريقيا بمقدار 2 – 3 سم سنويًا، مما يجعل البحر الأحمر والأخدود الإثيوبي مناطق نشطة جيولوجيًا.
4. أشهر البراكين في إثيوبيا
إثيوبيا تحتضن عشرات البراكين، لكن أشهرها:
1. بركان إرتا ألي (Erta Ale)
-
أحد أقدم بحيرات الحمم الدائمة في العالم.
-
يُسمى "جحيم إفريقيا".
-
يقع في صحراء داناكيل، أحد أكثر الأماكن حرارة على الأرض.
2. بركان دالوول (Dallol)
-
ليس بركانًا كلاسيكيًا، لكنه منطقة بركانية حرارية.
-
يشتهر بألوانه الصفراء والخضراء والبرتقاليّة بسبب الأملاح والكبريت.
-
يُعد أحد أغرب المناظر الطبيعية في العالم.
3. بركان نيراغونغو (في الكونغو لكنه مرتبط بنفس الحزام التكتوني)
-
مرتبط جيولوجيًا بالفرع الشرقي للأخدود الذي يبدأ من إثيوبيا.
4. بركان “هايلي جوبّي” (Hayli Gobi)
-
أحد البراكين الموجودة في شمال إثيوبيا.
-
ظل خامدًا لفترة طويلة قُدِّرت بحوالي 1000 عام.
-
سجل مؤخرًا نشاطًا بركانيًا دفع العلماء إلى إعادة تقييم مخاطره.
-
موقعه في حزام داناكيل يجعله عرضة للنشاط بسبب تمدد القشرة باستمرار.
5. ماذا يحدث تحت إثيوبيا الآن؟
تشكل إثيوبيا اليوم “مختبرًا حيًا” لدراسة تشكّل القارات، حيث تظهر فيها عمليات تفكك القشرة بوضوح:
1. تشقق الأرض بشكل مستمر
اكتُشفت شقوق ضخمة في مناطق مختلفة وصل عرض بعضها إلى عدة أمتار.
2. انخفاض مستوى الأرض
بعض أجزاء أخدود أفار تنخفض ببطء، ما يشير إلى استعداد المنطقة للتحول إلى محيط جديد بعد ملايين السنين.
3. صعود الصهارة إلى السطح
العديد من الانفجارات البركانية في إثيوبيا ليست عنيفة، بل تحدث نتيجة:
-
تمدد القشرة
-
تسرب الصهارة
-
تشكل براكين درعية واسعة
6. مستقبل الأخدود الإفريقي وإثيوبيا
وفقًا لعلماء الجيولوجيا، فإن الأخدود الإفريقي:
-
في بداياته مقارنة بعمر الأرض
-
سيؤدي في المستقبل إلى انفصال القرن الإفريقي عن بقية القارة
-
وقد يتحول الأخدود الإثيوبي إلى بحر جديد يشبه البحر الأحمر
هذا التغير لن يحدث قريبًا، بل يحتاج إلى 10 – 20 مليون سنة.
7. أهمية البراكين الإثيوبية للعالم
قد تبدو البراكين خطرًا، لكنها أيضًا معبر حياة، إذ تساهم في:
-
تشكيل تربة خصبة
-
إنتاج معادن مهمة مثل البوتاس
-
خلق ينابيع ساخنة غنية بالمعادن
-
توفير مصادر للطاقة الحرارية الأرضية
إثيوبيا تمتلك واحدة من أكبر إمكانات الطاقة الحرارية في إفريقيا.
خلاصة
الأخدود الإفريقي العظيم ليس مجرد ظاهرة جيولوجية، بل قصة تُكتب ببطء في عمق الأرض. وإثيوبيا هي فصل مهم من هذه القصة، حيث تتفاعل الصفائح التكتونية والبراكين والنقاط الساخنة لتشكّل مستقبلًا جيولوجيًا جديدًا.
من بين جبال البازلت السوداء، وفوهات البراكين، وسهول داناكيل المنخفضة، تتجلى واحدة من أعظم دروس الطبيعة: الأرض ليست ثابتة، بل تنبض بالحياة والتغيّر المستمر.
.jpg)