🌋 أخطر البراكين في القرن الإفريقي: قنبلة جيولوجية موقوتة في أرض الانفصال
يُمثل القرن الإفريقي منطقة فريدة وهائلة في تعقيدها الجيولوجي. هذه المنطقة ليست مجرد تقاطع لخطوط سياسية وجغرافية، بل هي نقطة التقاء لثلاث صفائح تكتونية عملاقة: الصفيحة الإفريقية النوبية، والصفيحة الصومالية، والصفيحة العربية. هذا التفاعل الديناميكي هو القوة الدافعة وراء ما يُعرف باسم الأخدود الإفريقي العظيم (East African Rift Valley)، وهو شق قاري ضخم يمزق القارة ببطء، وفي قلب هذا الانفصال التكتوني يكمن أحد أخطر التجمعات البركانية في العالم.
إن البراكين في هذه المنطقة، وعلى رأسها تلك التي تقع في مثلث العفر (بين إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي)، لا تهدد فقط المناطق المجاورة، بل تشكل خطرًا بيئيًا وإنسانيًا قد يمتد تأثيره عبر البحر الأحمر إلى منطقة الشرق الأوسط بأكملها. إن فهم طبيعة هذه المخاطر يتطلب التعمق في أخطر ثلاثة براكين في المنطقة، بالإضافة إلى تحليل الآثار الجيولوجية والبيئية الأوسع لهذا النشاط.
I. مثلث العفر: حيث يلتقي الانفصال بالصهارة
يُعد مثلث العفر (Afar Triangle) أخطر بؤرة بركانية في القرن الإفريقي. إنه حوض منخفض وعميق، يقع تحت مستوى سطح البحر في بعض أجزائه، ويشهد نشاطًا زلزاليًا وبركانيًا شبه دائم بسبب تباعد الصفائح التكتونية بمعدل 1 إلى 2 سنتيمتر سنويًا. هذا الانفصال يسمح للصهارة الصاعدة من وشاح الأرض (Mantle) بالوصول إلى السطح، مما يغذي عددًا من البراكين النشطة والنائمة.
II. البراكين الثلاثة الأكثر فتكاً وخطورة
1. 🌋 بركان إرتا ألي (Erta Ale) - إثيوبيا: بحيرة الجحيم الدائمة
يُعد إرتا ألي (ويعني "جبل الدخان" في اللغة المحلية) رمزًا للنشاط البركاني المستمر في المنطقة. يقع في منطقة داناكيل، وهو بركان درعي عملاق تشكل على مر ملايين السنين.
الخطورة الفريدة: بحيرة الحمم الدائمة: إرتا ألي هو أحد البراكين القليلة على مستوى العالم التي تحتوي على بحيرة حمم بركانية (Lava Lake) شبه دائمة في قمته. هذه البحيرة، التي تغلي باستمرار، تشير إلى اتصال مباشر ومستقر بين الصهارة السطحية وخزان الصهارة العميق. هذا النشاط المستمر يجعل البركان في حالة ثوران مستمرة منخفضة الشدة، مما يمثل تهديدًا دائمًا.
الانبعاثات الغازية السامة: الخطر الأكبر لا يكمن فقط في تدفقات الحمم، بل في الانبعاثات الهائلة واليومية من الغازات البركانية السامة، خاصة ثاني أكسيد الكبريت (SO2). هذه الغازات تشكل ضبابًا بركانيًا (Vog) يمكن أن ينتقل مع الرياح لمئات الكيلومترات، مما يؤدي إلى:
أمراض الجهاز التنفسي المزمنة للسكان المحليين.
تشكيل أمطار حمضية تتلف التربة والغطاء النباتي.
التهديد الهيكلي: يؤدي النشاط المستمر إلى تمدد وتصدع في قشرة الأرض المحيطة به، مما قد يؤدي إلى ظهور شقوق جديدة واندفاعات حمم مفاجئة في مناطق غير متوقعة.
2. 🌋 بركان نَبرو (Nabbro) - إريتريا: الثوران المفاجئ بعد الصمت الطويل
يقع نَبرو (أو نابرو) في إريتريا ضمن منطقة جنوب البحر الأحمر، وقد قدم للعالم درسًا قاسيًا في عام 2011 حول خطورة البراكين "الخاملة" أو التي لا توجد سجلات تاريخية لثوراناتها.
التهديد الكامن: قبل عام 2011، لم يكن لدى نبرو أي سجلات تاريخية موثوقة للثوران، مما جعله خارج دائرة الاهتمام والجاهزية. ثورانه المفاجئ في يونيو 2011 كان مصحوبًا بهزات أرضية عنيفة، مما يدل على ارتباطه العميق بالنشاط التكتوني.
عمود الرماد والغازات: أطلق الثوران سحابة رماد هائلة بارتفاع وصل إلى 13.7 كيلومترًا، مما أدى إلى:
إغلاق المجال الجوي في أجزاء من إفريقيا والشرق الأوسط (مماثلاً لتأثير بركان إيافيالايوكل في أيسلندا).
تغطية مساحات شاسعة من إريتريا بالرماد السميك، مما دمر المحاصيل والمراعي.
إطلاق كمية قياسية من غاز SO2 في الغلاف الجوي، مما أثر على جودة الهواء في مناطق بعيدة مثل السودان والمملكة العربية السعودية واليمن، بل واعتُبر أحد أكبر انبعاثات SO2 لبركان منذ بداية العصر الحالي.
الآثار البيئية الإقليمية: كشف ثوران نبرو كيف يمكن لبركان في القرن الإفريقي أن يهدد الأمن الغذائي وحركة التجارة الإقليمية والدولية.
3. 🌋 بركان هايلي غوبي (Hayli Gubbi) - إثيوبيا: الاستيقاظ التاريخي
يُعد هايلي غوبي أحدث دليل على الطبيعة المتقلبة للمنطقة. يقع بالقرب من إرتا ألي، وشهد ثورانًا في نهاية عام 2025/بداية 2026 بعد فترة خمول تُقدر بأكثر من 12,000 عام.
مجهولية البيانات (Data Scarcity): تكمن خطورته في عدم وجود أي بيانات سابقة لتقييم سلوكه، مما يجعل التنبؤ بأي ثوران مستقبلي أمرًا صعبًا للغاية. كان الثوران مفاجئًا وواسع النطاق.
الربط المتبادل (Interconnectedness): يُعتقد أن نشاطه مرتبط بزيادة الضغط في خزان الصهارة المشترك مع بركان إرتا ألي، مما يشير إلى أن المنطقة تعمل كنظام بركاني واحد متصل. النشاط في بركان يمكن أن يثير نشاطًا في جيرانه.
التأثير الإقليمي الموسع: أطلق ثوران هايلي غوبي سحابة رماد وغازات انتقلت فوق البحر الأحمر ووصلت إلى شبه الجزيرة العربية، مما أكد مرة أخرى أن هذه البراكين تمثل تهديدًا عابرًا للحدود.
III. المخاطر الجيولوجية والبيئية الأوسع
لا يقتصر الخطر على الثورانات الانفجارية فحسب، بل يشمل مجموعة من التحديات الجيولوجية والبيئية المتزامنة:
الزلازل المترافقة (Seismic Swarms): النشاط البركاني في مثلث العفر دائمًا ما يكون مصحوبًا بـ "أسراب" من الزلازل المتكررة نتيجة تمدد الصفائح. هذه الزلازل، رغم أنها قد لا تكون بالضرورة مدمرة بشكل مباشر، إلا أنها تفتح مسارات جديدة لتدفق الصهارة وتزيد من عدم استقرار المنحدرات البركانية.
التشوه القشري (Crustal Deformation): تُظهر بيانات الأقمار الصناعية (مثل قياس التداخل الراداري، InSAR) أن قشرة الأرض تتمدد وتتشوه بشكل كبير حول هذه البراكين قبل الثوران، مما يشير إلى تضخم هائل لخزانات الصهارة تحت السطح.
التهديدات على البنية التحتية: تقع الطرق الرئيسية ومصادر المياه والقرى البدوية بالقرب من العديد من هذه البراكين. يمكن لتدفقات الحمم والرماد أن تدمر بشكل كامل أي بنية تحتية أو زراعية في طريقها، مما يؤدي إلى أزمات نزوح إنسانية واسعة النطاق.
الكوارث البيئية: الإطلاق المستمر لمركبات الفلور والكلور والكبريت يؤدي إلى تدهور التربة ومرض المواشي، مما يزيد من الضغط على المجتمعات التي تعتمد على الرعي في بيئة قاحلة أساسًا.
IV. تحديات المراقبة والجاهزية
للتخفيف من مخاطر هذه البراكين القاتلة، يجب التغلب على عقبتين رئيسيتين:
المراقبة في المناطق النائية والساخنة: تقع العديد من البراكين الأكثر نشاطًا في مناطق نائية، أو في مناطق تشهد نزاعات حدودية (خاصة بين إثيوبيا وإريتريا). هذا يجعل تركيب وصيانة أجهزة الرصد الزلزالي والغازي التقليدية أمرًا خطيرًا ومكلفًا.
نقص البيانات التاريخية: كما أظهر نبرو وهايلي غوبي، فإن الغياب الطويل للثورانات التاريخية يمنع العلماء من وضع نماذج تنبؤ دقيقة لسلوكها المستقبلي.
يتطلب التعامل مع قنبلة القرن الإفريقي الجيولوجية هذه جهدًا دوليًا يركز على استخدام التكنولوجيا الفضائية (الأقمار الصناعية لرصد التشوه والانبعاثات) وتعزيز التعاون الإقليمي لتطوير خطط إنذار وإجلاء مشتركة، لأن الخطر البركاني في هذه الزاوية من العالم هو تهديد لا يعرف الحدود.
